أُنس التدوين!
مقالات تعليمية

أُنس التدوين!

محمد الغيهب
١٦ مايو ٢٠٢٥

كان يُبهرني في صغري صديقٌ للعائلة ملازم لاجتماعاتنا، طالما تميز عن البقية بالمعلومات التاريخية التي يتحدث بها، ويُراهن الجميع على دقتها، وإذا احتد النقاش؛ ذهب مسرعًا إلى سيارته وجاء بـ"دفتر الذكريات"، ليثبت به لمن كان يُشكك.

هذه القدرة العجيبة؛ حفزتني على تدوين يومياتي منذُ عشرين عامًا وفق أربعة محاور: (الحدث، التاريخ، الرأي الشخصي، الشعور اللحظي)، مما أنتج مجموعتي الخاصة من الذكريات الموثقة للأحداث والمشاعر المسجلة، عبر عدد من الأدوات البسيطة: بدايةً من التدوين الورقي نهاية كل يوم، مرورًا بالأجهزة الذكية واستخدام "ملاحظات آيفون"، حتى تعرفت على برنامج "Day One" الذي أحدث نقلة كبيرة في تدوين اليوميات.

من المفارقات الونيسة للتدوين؛ أني وجدت شهر أكتوبر هو الأكثر اكتئابًا، والسبب يعود في نظري إلى كونه موعد الانتقال من فصل الصيف إلى الشتاء، ننعم ببعض الأيام اللطيفة لتداهمنا الحرارة مرة أخرى لأيام. كما أن نهاية مارس هي الأجمل مزاجيًا، لتزامنه مع توزيع التعويضات السنوية التي دائمًا ما يتبعها سفرة خارجية.

ولأن اليوميات سرية لما تحملهُ من خصوصية، سأذكر بعض العموميات التي توضح المغزى؛ وجدت دائمًا أن دعواتي الصادقة التي تضّرعت وانكسرت بها لله قد قُبلت، وهذا عكس ما كُنت أعتقده! ومما لاحظته كذلك أني أصبحت أكتشف السوداويين وأصحاب الطاقة السلبية سريعًا من خلال سطور التدوين، فيما أن النعمة العظيمة هي: بأني أعي وأجدد من نفسي وأطور مفاهيمي في التعامل مع الآخر، مثل قاعدة "تفاعل ولا تتأثر" التي اعتنقتها حرفيًا؛ وجعلتني أفضل نفسيًا دائمًا.

التدوين مهمة بسيطة لكنها لا تنجح بالتمني والمحاولات غير الجادة بل بالرصد والتسجيل اليومي حتى نعتاده فيثمر معرفيًا على مستقبلنا.