
نصائحٌ لكاتبٍ شاب
آني ديلارد، كاتبة أمريكية فازت بجائزة بولتزر لكتابها "الحج في خور تنكر" وعدد من أعمال النثر السردي، وهي محاضرة جامعية في جامعة ويسيلان في كونيتيكت بالولايات المتحدة. أرسلت المقالة أدناه لطلاب الكتابة الإبداعية في جامعة نورث كارولاينا بتشابيل هيل بعد عدة حوارات خاضتها آني ديلارد معهم: بعد مغادرتي لتشابيل هيل، فكرت بكل الأِشياء التي أود قولها لكم. تجدون هنا بعضها:
1. ابذل كل حياتك، أعظم قدرٍ ممكن منها، لشيءٍ أكبر من ذاتك، وأكبر من المتعة: لله، لمساعدة المحتاج، للمساهمة في المعرفة، لترك أثر في الأدب، أو شيء آخر. بذلك تجد السعادة، وهي أعظم من المتعة.
2. كان أحد الفيزيائيين العظماء الذين درّسوا في معهد ماساتشوستس للتقنية ونشر عدة كتب وأوراق بحث مهمة غالبًا ما تأتيه فكرة في منتصف الليل، يقوم من فراشه، يغتسل، وينظف شعره، ويحلق دقنه. ويرتدي لباسه كاملًا، بقميص نظيف، وحذاء ملمع، ومعطفًا وربطة عنق. ويجلس حينها على مكتبه ويكتب فكرته. عندما سأله أحد أصدقائي عن سبب هذا النظام قال: "لماذا!"، متفاجئًا من السؤال، "لعظمة الفيزياء". وبالمناسبة، كان فتى عربيًا صغيرًا أميًا بدون أي تعليم، سافر مرة واحدة عندما كان في الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة إلى مكان ما. وتحدث معه السائق الذي اصطحبه لمدة خمس ساعات، حتى أدرك أن الصبي الذي أمامه عبقري في التفكير الرياضي، فتكفل السائق بتعليم الصبي حتى الدكتوراه في الخارج على نفقته الخاصة، وهذا النوع من الأشياء يحدث في البلدان العربية حيث يمارس الناس دينهم بالفعل.
3. في حال توفر لك الخيار، عِش في أجزاء مختلفة في البلاد لمدة سنة.
4. لا تضع نفسك أبدًا أبدًا في وضع لا يكون لديك شيءُ لتقرأه أو لتكتبه. ستدخل في دوامة اكتئاب. يجب أن تقوم بشيء مفيد للعالم، بشيء مفيد بما لا يدع مجال للإنكار؛ تحتاج لممارسة الرياضة، وتحتاج للناس أيضًا.
5. اقرأ للمتعة. إذا كنت تحب تولستوي، اقرأ لتولستوي؛ وإذا كنت تحب دوستويفسكي، اقرأ لدوستويفكسي. واذهب بعيدًا بعض الشيء، لكن لا تقرأ شيئًا مختلفًا عن طبعك بشكل كامل وتقول بعدها "لن أتمكن من الكتابة بهذا الشكل أبدًا". بالتأكيد لن يمكنك. اقرأ كتبًا تود كتابتها. فإذا أردت كتابة الأدب، اقرأ الأدب، واكتب الكتب التي تود قراءتها. اتبع غرابتك.
6. ستجد وقتًا للقراءة بعد الجامعة.
7. لا تقلق على ما ستفعله خلال السنة الأولى بعد الجامعة. لن يكون هو عملك لبقية حياتك.
8. قرأت مرة أن العاملين في مجال الفن يستغرقون ثمانية سنين تقريبًا لاكتشاف الفن الذي يستهويهم. أخبر والديك بذلك.
9. درجة الماجستير في الفنون الجميلة والكتابة الإبداعية ممتعة، وكثير منها رخيص أو مجاني.
10. تعلّم النحو. اقتن كتاب نحو واقرأه مرتين أو ثلاث في السنة، (كتاب ستنك ووايت نموذج رائع).
11. تعلّم الترقيم: فهي طبلتك الصغيرة، أحد الأدوات القليلة المتوفرة لديك للإشارة للقارئ أين الإيقاع والتركيز. وإذا أخطأت فيها ولو قليلًا، سيرمي المحرر مسودة كتابك. لا تتشابه علامات الترقيم مع النوتات الموسيقية: فهي لا تحدد طول الوقفة، ولكن تشير للارتباطات المنطقية. هناك أشخاص كثر يعرفون ذلك جيدًا، ويجب أن تكون من ضمنهم لتبدأ مسيرتك.
12. تأكد من إملائك؛ ودقق. واجعل أحداً يدقق نصوصك كذلك.
13. لا تستخدم صيغة الأفعال المبنية للمجهول، ويمكنك إعادة كتابة أي جملة.
14. لا تغير الإملاء بناءً على اللكنة المستخدمة. دع تركيب الجملة والكلمات تحدد نطقها.
15. لا تستخدم كلمات بديلة لـ"مشى" أو "قال" سوى "مشى" و"قال". أعلم أن معلمتك/معلمك في الصف السادس أخبرتك غير ذلك. لأنها أخبرتني أيضّا، ولا زالت تقول ذلك لطلابها.
16. ضع القارئ دائمًا في مكان وزمان وكرر ذلك مجددًا. يستعجل الكتاب المبتدئون بالكتابة عن المشاعر، الحيوات الداخلية. وبدلًا من ذلك، ركز على المظاهر الخارجية؛ العب على وتر الحواس الخمسة؛ أعط تاريخ الشخص والمكان وشكل الشخص والمكان. استخدم اسم العائلة والاسم الأول، وأثناء كتابتك ضع كل شيء في مكان وزمان.
17. لا تصف المشاعر.
18. الطريق لعاطفة القارئ هي حواسه.
19. في حال وجود جزء مهم في نصك أو قصيدتك، أعطه مساحة كافية. أعني عدة سنتيمترات. ينبغي للقارئ أن يقضي وقتًا مع الموضوع ليهتم بأمره. لا تتجنب المشاهد الطويلة، أطلها أكثر.
20. كتابة المشاهد لا تعني مشاهد تلفزيونية. لا تحتاج لحوارات مملة: "عزيزتي لقد وصلت! أين البيرة؟"، "في الثلاجة!" أعتقد أن كثيرًا من القصص والروايات تحوي على حوارات أكثر من اللازم.
21. تصوير الطبيعي ليس فضيلة، بل الفضيلة في خلق شيء جديد ومثير. إذا وجدت الحياة مملة والناس كريهين، استمر بالتفكير حتى تراهم بطريقة أخرى. ما الذي سيدفع القارئ إلى قراءة وصف مفصل لأكثر الأشياء إزعاجًا في حياته اليومية؟
22. لا تستخدم كلمات زائدة، فالجملة كالآلة: لديها وظيفة تؤديها. فالكلمة الزائدة في الجملة كالجورب في الآلة.
23. اشتر قصصًا ودواوين شعر بأغلفة مقواة. اطلب قصصًا ودواوين شعر كهدايا لكل من تعرف. أعطها كهدايا للجميع. لم يُذكر أن قميصًا أو كنزة صوف غيرت حياة أحدهم.
24. اشتر كتبًا من الباعة المستقلين، ولا تشتر من الشركات التجارية. لأن الشركات التجارية -لأسباب معقدة- تساهم في اجتثاث النشر الأدبي. وبشكل مشابه، سجل اسمك وصوّت، وإذا لم تصوّت، لا تشتك.
25. اكتب للقراء. اسأل نفسك كيف ستؤثر كل جملة وكل شطر في القارئ. بذلك ستستطيع معرفة ما إذا كنت تقودهم بشكل خاطئ، أو ممل. من الصعب أن تقرأ شيئًا كتبته للتو؛ لأنه يبدو واضحًا وقويًا. ضع نصك جانبًا وأعد كتابته لاحقًا. لا تكرر قراءته مرةً تلو الأخرى، لأنه سيقودك للانتظار وقتًا أطول حتى تراه بعين جديدة.
26. لا تكتب عن نفسك. فكّر بالكتب التي تحبها، أليست مواضيعها هي المفضلة لديك؟ عادةً ما يتكلم الأشخاص المملون عن أنفسهم.
27. وحدة العمل/النص أكثر أهمية من أي شيء آخر. يجب عليك حذف الاستطرادات التي استمتعت بكتابتها.
28. يتوجب عليك عادةً إعادة كتابة أول ربع أو ثلث ما كنت تكتب. لا تهدر كثيرًا من الوقت لتحسين هذا الجزء؛ سيتوجب عليك أن تأخذ نفسًا عميقًا وتضعه جانبًا في كل الأحوال، وبمجرد انتهائك من العمل سيكون لديك شعور أوضح عمّا هو عنه. مزّق مَدرج انطلاقك؛ فقد ساعدك بالانطلاق، ولست بحاجته الآن. وهذا هو السبب الذي يدفع بعض الكتّاب للقول بأن الكتابة تتطلب "شجاعة". وهي فعلًا كذلك. سيتوجب عليك دائمًا وأبدًا اختيار الكتاب على حساب مشاعرك وأمانيك.
29. تجاهل مشاعرك حيال عملك، لوجود خطرٍ مهني. فلو كنت تكتب كتابًا، استمر بالعمل عليه، وانطلق أعمق وأعمق، وعند إحساسك بأنه سيء: استمر بإعادة صياغته وتحسينه حتى تشعر بروعته. حين تكون صغيرًا وفي بداياتك، يُفضّل على الأغلب أن تكتب شيئًا آخر عوضًا عن العمل على شيء مبني على فكرة سيئة في المقام الأول. اكتب شيئًا آخر؛ وبعدها اكتب شيئًا آخر: وبعدها كذلك اكتب شيئًا آخر. ومهما بلغت خبرتك، لا توجد أي علاقة، مباشرةً كانت أم غير مباشرة، بين مشاعرك الحالية حيال جودة عملك وجودته الفعلية، كل ما يمكنك عمله هو تجاهل مشاعرك بشكل كامل، وهو أمر صعب، ولكن يمكنك فعله.
30. عندما تعمل ككاتب بشكل رسمي، ثلاث ساعات إلى أربع في اليوم، اذهب إلى غرفتك مع كتابك كل يوم، بغض النظر عن مشاعرك. في حال توقفت ليوم واحد، فستحتاج إلى ثلاثة أيام متعبة ليعود إيمانك بالنص مرةً أخرى. وليكن لديك مكان يمكنك أن تترك عملك مكشوفًا فيه، حتى لا تحتاج لإخراجه وترتيبه مرةً أخرى قبل أن تبدأ مجددًا.
31. كلما قرأت أكثر، كلما كتبت أكثر. وكلما زادت جودة ما تقرأ، ستزداد جودة ما تكتب. لديك سنين عديدة، ويمكنك تطوير ذوق للأدب الجيد في نهاية المطاف. سجل كل الكتب التي تود قراءتها بقائمة. ستتعلم سريعًا أن كل "الأعمال الكلاسيكية" تقريبًا هي كتب مثيرة بشكل لا نهائي. ويمكنك إعادة قراءتها طيلة حياتك كل عشر سنوات تقريبًا، وعديد منها تضيء لك في مراحل مختلفة من حياتك.
32. لا تحدد قصة حقيقية ممتعة حول حياة، أو حادثة تاريخية، وتقرر تحويلها إلى رواية بدل أن تكون سيرة ذاتية أو سردًا تاريخيًّا. عادة الروايات المبنية على حقائق مزيج عكر لا يمكن للقرّاء تحديد الحقيقي فيه. ولن يلمسها الناشرون. اكتبها كقصة واقعية إذا أردت كتابتها.
33. إذا أردت كتابة رواية، وأنت لا زلت تشتري الروايات ذات الغلاف المقوى بانتظام، انطلق واكتب رواية. ومع ذلك، مجال النشر تغير، وأصبحت الروايات صعبة النشر. إذا أردت تحسين احتمالات أن الناس ستقرأ ما تكتب، اكتب سردًا واقعيًا.
34. في الأدب القصصي، أو الشعر، أو السرد الواقعي كلما بحثت أكثر، كلما توفرت لك أدوات للعب بها. فأنت تكتب لفئة القراء المثقفة في البلاد، وهو تحد ممتع أن تخبرهم بشيء لا يعرفوه مسبقًا. فكلما قرأت أكثر، ستعرف أكثر ممّا يعرفون.
35. لا يستطيع أحد مساعدتك إذا علقت في نص ما، فقط أنت من يمكنه إيجاد طريقةٍ ما، لأنك الوحيد الذي يرى احتمالات النص. في كل عمل، هناك استحالة محتومة ستكتشفها عاجلًا أم آجلًا، سبب متأصل وكامن لاستحالة الاستمرار بالعمل، يمكنك إيجاد طرق حوله. وعادةّ أن الطريق المؤلم حوله هو التخلص من الفكرة الأساسية، الفكرة التي بدأت بها.
36. النشر ليس مقياس الامتياز. وهذا من أصعب وأهم الأشياء التي نتعلمها عن النشر. في السابق إذا كانت المسودة "جيدة" فهي "تستحق" النشر. وهذا لم يعد صحيحًا الآن وخلال العشرين سنة الماضية، ولم تُنقَّ الأخبار لتغيير المفاهيم. يقول بعضهم: "لذلك، حتى فاوكنر لن يتمكن من نشر كتبه اليوم!" كمبالغة. وفي الواقع، إن فاوكنر بالتأكيد لن يستطيع نشر أعماله اليوم ولا ينكر الناشرون ذلك. فسوق الأدب القصصي بالأغلفة المقواة هم المتزوجون الأغنياء أو أرملة بلغ عمرها فوق الخمسين حتى تبدأ بشراء كتب الأدب.
صغار الناشرين الذين يختارون أعمالًا جديدة هم من نساء نيويورك في العشرينات من عمرهن، واللاتي يتركز اهتمامهم عمّا هو أنيق هذا الأسبوع في نيويورك، واللاتي أصبحن خبيرات فيما ستشتريه النساء الأكبر عمرًا من كتب. لكل 8 كتب من أدب الواقع يوجد كتاب قصصي. فرصة أن تدخل مسودة إلى دار نشر وتنشره هي 1 في 3000. الوكلاء عادةً من يرسل المسودات. وأغلب الوكلاء لن يلمسوا الكتب القصصية حتى.
37. حيت ترفض مجلة قصتك أو قصيدتك، لا يعني ذلك أنها لم تكن "جيدة" كفاية. بل يعني أن المجلة تعتقد أنها لا تتناسب مع قرائها المحددين. يفكر المحررون دائمًا بالقراء: كيف ستفيد القارئ؟ وهناك أيضًا عقيدة للمشاهير في هذه الدولة، والعديد من المجلات تنشر للمشاهير فقط، وترفض أعمالًا أفضل للكتّاب غير المعروفين.
38. يجب عليك معرفة هذه الأمور في عقلك الباطن، وتحتاج لأنها تنساها وتكتب أيًّا كان ما تود كتابته.